التعصب الرياضي .. أسبابه وآثاره وعلاجه *
أولاً : ما هو التعصب الرياضي ؟
التعصب هو الميل المفرط لفئة ما على حساب المبادىء والقيم. كأن ينتمي الشخص إلى قبيلة أو مذهب أو فرقة رياضية، يوالي من أجلها ويعادي في سبيلها، ويحبُ فيها، ويبغض فيها، ويتمحور حولها في أفكاره وسلوكياته، فضلاً عن الولاء والبراء من أجل الفساق والماجنين، ونحن لا نشك في فسق من نذر حياته ومماته للكرة . قال الله تعالى : " إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56)" [المائدة : 55 - 57].
ثانيًا: ما هي صور التعصب الرياضي ؟
منها:
1- حرق أعلام الفريق المنافس
2- سب وقذف بين الجماهير
3- الدعاء على الفريق المنافس
4- الشجار والعراك
5- المسيرات والتظاهرات المنددة بالفريق المنافس
6- الصراخ والعويل الذي نراه عند خسارة أحد الفريقين.
7- تخريب وإفساد المتاجر، والمكاتب، والمصالح العامة كما حدث في غير ما مباراة.
ثالثًا: حُكم التعصب الرياضي من وجه النظر الشرعية ؟
1- التعصب عمومًا مذموم، ونستطيع أن نستدل على حرمة التعصب الرياضي من خلال المفاسد والخسائر التي أدى إليها؛ من شجار بين الجماهير المشجعة، وحرق أعلام الدول، وتدابر المسلمين، وتشاتم الشعوب،{فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ }المؤمنون53
2- والحق، أن هؤلاء لا يغضبون لله، وإنما يتقاتلون عصبية وحمِيةً، وبعضهم يفقد حياته من أجل الكرة:
قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - :
"مَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ، يَغْضَبُ لِلْعَصَبِيَّةِ، أَوْ يُقَاتِلُ لِلْعَصَبِيَّةِ، أَوْ يَدْعُو إِلَى الْعَصَبِيَّةِ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ"[1].
3- كما أن هؤلاء المتعصبين للكرة، إنما ينطلقون في تشجيعهم لفريق دون فريق من منطلق عرقي بحت أو قبلي محض، وليس تشجيعًا لصاحب الأخلاق أو حتى صاحب المهارات :
عن جَابِر بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنهما - قَالَ كُنَّا فِى غَزَاةٍ فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ الأَنْصَارِىُّ : يَا لَلأَنْصَارِ !! وَقَالَ الْمُهَاجِرِىُّ : يَا لَلْمُهَاجِرِينَ !! فَسَمِعَ ذَاكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ : « مَا بَالُ دَعْوَى جَاهِلِيَّةٍ » قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ . فَقَالَ « دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ »[2].
بينما زكى النبي – صلى الله عليه وسلم – الأشعريين لتآلفهم وتكافلهم وتعاونهم، فقال : إِنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ[3] أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ"[4].
4- والتعصب سلوكٌ ذمه اللهُ - عز وجل - في أخلاق كفار مكة، فقال تعالى: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً }الفتح26
5- وهو كذلك من أخلاق المنافقين، {يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ }المنافقون8.
6- والتعصب الرياضي، لا يخلو من كلمة بذيئة، أو سبة شنيعة، وأنت قد سمعت شيئًا من تلك الألفاظ التي نشرتها بعض الصحف وصدرت عن بعض لاعبي المنتخب المصري والمنتخب الجزائري على حد سواء ـ في تلك المبارتين المشهورتين المشؤمتين ـ.
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، أن رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم – قال: « إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا ، يَزِلُّ بِهَا فِى النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ »[5].
وقَالَ – صلى الله عليه وسلم - : " سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ"[6].
7 - كما أن التعصب الرياضي لا يعصم المرء من الوقوع في ظلم الآخرين، والحُكم عليهم وفق الهوى، وقد يبخس أحدهم الآخر حقًا؛ بسبب مثل هذه الولاءات الباطلة، وقد يعادي الجارُ جاره بسبب أنه يشجع فريقًا رياضيًا معينًا. قال تعالى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }المائدة8، وقال أيضًا : { وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }.
وفي الأثر : قيل ما العصبية ، قالوا : أن تُعين قومك على الظلم.
وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَنْ نَصَرَ قَوْمَهُ عَلَى غَيْرِ الْحَقِّ فَهُوَ كَالْبَعِيرِ الَّذِى رُدِّىَ[7] فَهُوَ يُنْزَعُ بِذَنَبِهِ[8].
رابعًا: آثار التعصب الرياضي ؟
1- شق صفوف المسلمين، وإحداث الفتن والقلاقل بين الشعوب، والاحتكام إلى مقياس فاسد للتفاضل بين الشعوب، وهو مقياس اللعب ، غير أن الله تعالى قال : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }الحجرات13.
وعَنْ أَبِى نَضْرَةَ حَدَّثَنِى مَنْ سَمِعَ خُطْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِى وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَالَ « يَا أَيُّهَا النَّاسُ ! أَلاَ إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلاَ لاَ فَضْلَ لِعَرَبِىٍّ عَلَى أَعْجَمِىٍّ، وَلاَ لِعَجَمِىٍّ عَلَى عَرَبِىٍّ ، وَلاَ لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلاَ أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلاَّ بِالتَّقْوَى، أَبَلَّغْتُ ؟ »[9].
2- شغل الشباب عن القضايا الكبرى للأمة، وحشرهم في ميادين الكرة واللهو لا في ميادين العمل والإنتاج والجهاد، ولقد كان من عادة فرعون مصر أن يجمع الناس في يوم الزينة، من أجل اللهو واللعب؛ لينشغل الناسُ عن الحق، {وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُم مُّجْتَمِعُونَ . لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ }الشعراء، 39، 40.
وقال – صلى الله عليه وسلم - : « إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلاًّ لاَ يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ »[10]. وهذا في من انشغل بالزرع عن الجهاد، فما بالك بمن انشغل باللعب.
3- ظهور جيل من الشباب ساذج تافهة إِمَّعَةً، يسير وارء كل ناعق، ولا يقوى على خدمة الإسلام. شبابٌ لسان حاله يقول : {وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ }المدثر45، {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ }الزخرف83
ومن الأقوال الحكيمة: " الناس ثلاثة : عالم ربانى، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجأوا إلى ركن وثيق..."[11]
4- زيادة معدل جرائم القتل والاعداد على الآخرين، فكثيرًا ما يتشاجر جماهير الفريقين قبل وبعد المباراة .
5- التحرش الجنسي بالفتيات، وهذا لا يخلوا من مباراة حيث الزحام والاختلاط والتبرج. {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ }النور30
6- الأثر النفساني السلبي الواقع على نفوس المتعصبين، خاصة الاكتئاب والقلق ، والانكثار النفسي عن الهزيمة، والعلو والاستكبار عند الفوز، وهشاشة الرأي، وسرعة الغضب لأهون الأسباب . عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَالْخَامَةِ[12] مِنَ الزَّرْعِ تُفَيِّئُهَا[13] الرِّيحُ مَرَّةً ، وَتَعْدِلُهَا مَرَّةً ، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ كَالأَرْزَةِ[14] لاَ تَزَالُ حَتَّى يَكُونَ انْجِعَافُهَا مَرَّةً وَاحِدَةً »[15].
7- الأمراض المترتبة على ذلك، كالسكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والشرايين، وكثيرًا ما تحدث حالات من الإغماءات والسكتات القلبية والجلطات الدماغية بين صفوف الجماهير المتعصبة سواءً في أرض المباراة أو أمام التلفاز، ولقد قص لنا شيخٌ فاضل أن امرأةً حدثته عن وفاة زوجها على إثر هدف فرح به فرحًا شديدًا أدى إلى وفاة الرجل.
8- الانشغال عن الواجبات، والتفريط في الطاعات، والغفلة عن الذكر والقرآن،{اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ }المجادلة19
9- انتشار الشائعات والأراجيف، حيث الخبثاء يكذبون، والسفهاء ينقلون، فيزيد الأمر سوءًا بعد سوء، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }الحجرات6.
10 – أكل الأموال بالباطل، حيث يتكسب من وراء هذا التعصب الرياضي، أناسٌ يقتاتون على مثل هذه التفاهات، حيث تطبع المنشورات والمطبوعات والتسجيلات التي تعمق من هذا التعصب، وتعقد حلقات النقاش والحوارت والتحقيقات، ويُأتي بمن يطلق عليهم " محللين رياضيين". وجميعُ هؤلاء وغيرهم يتكسبون من وراء التفاهات . قال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً }النساء29.
خامسًا: كيف نعالج هذه الظاهرة السيئة ؟
1- ينبغي على وسائل الإعلام الكف عن إشعال نيران التعصب، فقد كان لوسائل الإعلام دورًا بارزًا في الفتنة الأخيرة بين منتخبي الجزائر ومصر. وهذا الدور مناطٌ بالمسؤولين عن الصحف والفضائيات والمواقع الإعلامية المختلفة. {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }المائدة2
2- إعداد حملة توعوية بين صفوف الشباب ـ في المدارس والجامعات ـ تتألف من مجموعة من العلماء والدعاة والكتاب لتنبه الشباب وتحذيرهم من خطر التعصب الرياضي.
3- على أولياء الأمور في البيوت أن يتحملوا معنا تلك التبعة، وأن يعملوا على غرس قيم الحب والأخوة بين المسلمين، ونبذ التعصب بين الأولاد منذ نعومة أظفارهم.
4- ينبغي على مَن يحكمون هذه الشعوب؛ أن يستشعروا خطر تسفيه الشباب . فالشباب المائع الخاوي لن يكون سلاحًا لكم، إنما سيكون في صدوركم.