الحرب النفسية والدعاية السوداء اغتيال منظم
الدكتور: مهند العزاوي*
وسائل الإعلام الأمريكية وتسويق الإرهاب
الدعاية السوداء اغتيال منظم
الدعاية قدرة عالية على تحطيم ألذات
التضليل خلق واقع مزيف ومغلوط ومقنع
(إن الأكذوبة تقوم بدورة كاملة حول العالم قبل أن تنتهي الحقيقة من ارتداء سروالها) "ونستون تشرشل" رئيس وزراء بريطانيا في الحرب العالمية الثانية"
(يعتبر "الانترنيت" من ناحية القوة الكامنة , أداة فعالة لترويج الشائعات المثيرة , بالإضافة إلى الدعاية السياسية"السوداء"والرمادية"لأن الانحياز الفعلي لمصدر المعلومات يمكن إخفائه بسهولة,كما يمكن تغيير أي مواد إخبارية مرئية أو حقائق ووثائق على الشبكة لتبدو الأحداث الحقيقة عند التشويه مزورة إضافة إلى التلفيق العدائي). مركز الإمارات للدراسات-(ستيفن هوزمر).
لوحظ في الآونة الأخيرة نشاط واضح لعدد من الخلايا السياسية المشبوهة والأقلام المأجورة , لأحداث شروخ ومعارك جانبية في جرف الجهد الوطني المناهض للاحتلال , خصوصا في ظل الانهيار السياسي الشامل لصفحة الاحتلال السياسية , وتعاظم الوعي الشعبي بضرورة التماسك الوطني لتحقيق منجز التحرير والاستقلال , ولو تريثت القوى الوطنية وحللت فحيح الأفاعي ستجد انه جزء من الحرب النفسية لتحقيق الانهيار الإدراكي, وكسر إرادة الصراع في هذا التوقيت بالذات, خصوصا ان الاحتلال وحلفائه الإقليميين يمتلكون منظومة واسعة للحرب النفسية , وزعانف نائمة تنشط عند الحاجة, وتغلف السكر بالسم , وتستند الحرب المعاصرة على المنظومة الإعلامية الضخمة, والتي توجه البوصلة السياسية والفكرية للرأي العام في قبول فكرة العدو المقبل(صناعة العدو),وأصبحت الاستراتيجية الإعلامية علم وفن يهدف إلى تحقيق الأهداف والغايات المخصصة في الاستراتيجية العليا/ الشاملة,وأضحت مطرقة الحروب القذرة , مع تعاظم عمليات التضليل المصنعة والمنحوتة في الأروقة والمؤسسات الإعلامية ذات الاختصاص, ويجري توظيف الخبرات الواسعة في مجال التلاعب والتضليل والتزييف والخداع والتأثير, مع الإسناد الشامل من "سينما الأمن القومي" التي تنحت العدو وترسخه في عقول الرأي العام, وتغزو القلوب وتسخرها لشرعنة الحروب وصياغتها كحروب دفاع , دون إظهار الجانب الأخر من الصورة الذي يتعرض للإبادة البشرية تحت وطأة الأسلحة المدمرة الفتاكة والتي تظهرها وسائل الإعلام بمنظر زاهي, لقد أصبحت الحرب الإعلامية والنفسية صفحة محورية ورئيسية في الصراع والحرب, ويلعب الإعلام دوراً مهماً في خفض الروح المعنوية للخصم، وإفقاده الثقة في قدراته وهدفه النبيل، وبث التفرقة والاحتراب في صفوفه، ويأتي ذلك من خلال تناول الإعلام الدعاية السوداء والرمادية والبيضاء عن القضايا السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية, وتوجيه الأفكار وصرف الأنظار عن حقيقة الأوضاع المأساوي .
وسائل الإعلام الأمريكية وتسويق الإرهاب
تمتلك الإدارة الأمريكية وحلفائها, منظومة إعلامية هائلة ومحترفة في مجال الدعاية, سخرت على الدوام لتمرير مخططات الحروب, ولم ترتقي إلا ما ندر إلى مستوى الأعلام الهادف والمهني والباحث عن الحقيقة, بل لم تكتفي بذلك وأنتجت وسائل ومفاصل وأدوات ناطقة بالغة العربية والمحلية للبلد المستهدف, بغية إدارة حرب التأثير لغزو العقول والقلوب, في معظم الصراعات ويخوض كل فريق متحارب الحرب النفسية للتأثير في تصورات القادة السياسيين والعسكريين والقوات العسكرية والمجتمعات,ودفعهم للقيام بإعمال في صالح الخصم, كما أن جوهر الأهداف الإستراتيجية للحرب النفسية,هو تدمير معنويات الخصم , وأضعاف الدعم المحلي والدولي للمجهود العسكري والسياسي والإعلامي له ,أما على المستوى التكتيكي النيل من أرادته القتالية,وأضعاف قدراته وإجباره على الاستسلام وتحقيق الانهيار الإدراكي , ناهيك عن استخدام الوسيلة الأكثر انتشار (شبكة الإنترنيت) في ترويج الدعاية السوداء والرمادية وتضليل الرأي العام واستهداف القيادات والشخصيات الوطنية, كوسيلة للحرب النفسية ضد شعوبنا وبلداننا,والسعي الجاد لتطبيع الهزيمة وغرسها في نفوس أجيالنا القادمة على الدوام.
يعد أخطر ما في وسائل الإعلام الأمريكية, إنها تؤثر في سياسة أكبر قوة موجودة حاليا على المسرح الدولي , وتضلل الرأي العام الأمريكي والعالمي, بالتالي تخدم وسائل الإعلام الأمريكية إلى حد كبير توجهات السياسة الأمريكية الخارجية, ولو سلطنا الضوء على دور الإعلام الأمريكي في السياسات والإستراتيجيات الأمريكية المختلفة, نتوصل إلى مجموعة استنتاجات تدل على قدراته الهائلة, ومدى تأثيره محلياً وعالميا,ً فالولايات المتحدة الأمريكية تمتلك أكبر ترسانة إعلامية في العالم, وكالات الأنباء الأمريكية تتحكم ب 80% من الصور المبثوثة, وتنتج أو تبث 57 % من الأفلام السينمائية في العالم , تزود "وكالة الاسوشيتدبرس" 1600 صفحة بأخبارها, كذلك 5900 محطة إذاعية وتلفزيونية, ويشترك الأمريكيون بــ 90% في شبكة "الانترنيت, وتعد محطة "السي إن إن "المصدر الأساسي للأخبار المصورة في العالم, وتشير أحدى دراسات إلى أن المواطن الأمريكي يشاهد في العالم ويتابع قضايا ثقافية وإعلامية من تلفاز وإذاعة ومسرح وسينما ومطالعة, حوالي 3400 ساعة أي بمعدل (8/9) ساعات يومياً, وبالتالي يكون في مخيلته مواقف عن الكثير من القضايا من خلال هذه الوسائل الإعلامية, كما يفترض في وسائل الإعلام أن تتعامل بموضوعية مع الأحداث سواء كانت داخلية أو خارجية, ولكن نجد أن أغلب وسائل الإعلام الأمريكية لا تتعامل مع هذه الإحداث بواقعية وبدلالتها الظرفية , في ظل النفوذ والسطوة الإعلامية الصهيونية على الإعلام الأمريكي, بل تقدم وتسوق القضايا المفبركة وإشاعتها أمام الرأي العام الأمريكي,ويقول "ونستون تشرشل" رئيس وزراء بريطانيا في الحرب العالمية الثانية(إن الأكذوبة تقوم بدورة كاملة حول العالم قبل أن تنتهي الحقيقة من ارتداء سروالها) لقد صورت وسائل الإعلام الأمريكية قضية الصراع العربي الإسرائيلي على أن الإسرائيليين هم ضحايا ومحبون للسلام؟ وعملت وسائل الإعلام الأمريكية على تنميط المسلمين والعرب بالإرهاب .
لقد عملت مراكز الإعلام الصهيونية في أمريكا على تعبئة الذاكرة الأمريكية بصورة مستمرة على تشويه العرب والمسلمين, ورسخت في عقول المواطن الأمريكي قبل وبعد الحرب ضد العراق أن إحداث 11أيلول سببها العراق, وأسلحة الدمار الشامل وغيرها من المبررات المزيفة المضللة, ولم ينضج حتى الآن جيل سياسي وبحثي وإعلامي أمريكي خارج إطار هذه الصورة المعكوسة, لذا أن السياسة الأمريكية نتاج لعناصر داخلية ,تتفاعل ضمن الأقطاب السياسية في اتخاذ القرار(المجمع العسكري الصناعي – الحزب الجهوري, الحزب الديمقراطي, الإيباك[1]) وكذلك صناعة القرار من مراكز البحوث والإعلام والعلاقات العامة ,ومجمع الشركات القابضة, كلها تشكل الإطار العام للسياسة الخارجية الأمريكية .
الدعاية السوداء اغتيال منظم
يلاحظ بين الحين والآخر هجمات تشويه منظمة في الحرب النفسية المعادية, حرب إشاعات,تصريحات,معلومات كاذبة ومزيفة ومفبركة, الغاية منها صرف أنظار الرأي العام, واستهداف عناصر ومحاور الصراع ورموزه وشخصياته[2], تارة تمهيدا لتصفيته جسديا أي اغتياله وتشتيت الأنظار عن المنفذ, وأخرى لاغتياله سياسيا , خصوصا ان الشبكة العنكبوتية "الإنترنيت" واسعة ويصعب تقصي الحقائق بعد النشر, وبات يستخدمها الجاهل والعالم, والعميل والوطني,وعديم الأخلاق,وذوي الخلق الرفيع, كل على شاكلته (الإناء ينضح بما فيه) كما يقول المثل, وتستخدم الدعاية والحرب النفسية(السوداء والرمادية) عبر الخلايا النائمة وشخصيات الظل المرتبطة بدوائر المخابرات الأجنبية.
هيأت دوائر الاحتلال والنفوذ منظومة حرب نفسية واسعة من الخلايا نائمة والمرتبطة بها عبر قنوات سرية وأخرى علنية داخل وخارج العراق, مسخرة لتمزيق جسد العراق ونسيجه الاجتماعي, وتقوم تلك الخلايا بين الحين والآخر, ببث إشاعات وتلفيق الأكاذيب عبر شبكة الإنترنيت وتنحت في الدهاليز المظلمة وفقا للمنهج ألمخابراتي المرتبط به, وباستخدام وسائل أخرى يمكن إن يلجا أليها العقل البشري للتأثير على غيره, من خلال إقناعه وبلبلته وتضليله, وإخضاعه والهيمنة على فكره, وهدم شخصيته, وتحطيم معنوياته, وشل قدراته, وغالبية هؤلاء يعملون في الأروقة المظلمة والدهاليز القذرة, ليبثوا سمومهم النابعة أحيانا وبشكل كبير من إحساسه بالنقص وضعف الشخصية وارتزاقهم من هذه المهنة القذرة المرتبطة بدوائر المخابرات المختلفة أو بقنوات حكومية تخطط لتفتيت الجهد الوطني.
الدعاية قدرة عالية على تحطيم ألذات
تقسم الدعاية من حيث النوع إلى:- دعاية (بيضاء – صريحة- رمادية- سوداء) , ويعمل مخطط الحملات النفسية على استخدام الدعاية "الصريحة" , خلال المراحل المختلفة للصراع , وعاده ما يركز على استخدام الدعاية "الرمادية والسوداء" , لما تمتاز به من إمكانيات وتأثير خطير في حال التخطيط والاستخدام الجيد لها فهي تحقق الآتي
1. نشرها ووصولها إلى أعماق ومساحات كبيرة من مسارح الصراع.
2. أنها تحوز قبولاً وسرعة انتشار والتأثير بين الأفراد والمجتمعات.
3. استخدام موضوعات وأساليب يصعب استخدامها في الدعاية البيضاء مثل: -
أولا. إخفاء المصدر والاتجاه ـ تزييف وثائق ـ تزوير عمله - تخريب.
ثانيا. صعوبة وضعف تأثير إجراءات المقاومة والدعاية المضادة نظراً لسريتها وعدم الدلالة.
ثالثا. قدرة عالية على تحطيم ألذات والقدرة القتالية للهدف المخاطب من خلال سرعة انتشارها وعدم معرفة مصدرها واستخدامها لمعلومات مفبركة مزيفة، والحاجة لوقت لإثبات عدم صحتها.
رابعا. استخدام الدعاية كأحد الطرق المدعمة لخطة العمليات النفسية، بالتوازي على المستويين الإستراتيجي والعملياتي.
التضليل خلق واقع مزيف ومغلوط ومقنع
يعتبر التضليل احد وسائل الدعاية, والحرب النفسية وجزء من الحرب الإعلامية, ولتقاس تسمية الحرب بمقاييس الحرب العسكرية, أي الشروع باستخدام أدوات الصراع المسلح, بل هي تسبقه في ميدان الصراع السياسي والإعلامي, وأحيانا تكسب الحرب قبل بدئها, وتمتاز بنشر وبث المعلومات والأفكار المغلوطة عن عمد, وعن سابق تصور وتصميم لخلق واقع مزيف ومغلوط, والتضليل هو أقوى أسلحة الحرب النفسية والإعلامية, ويعتبر أيضا احد المرتكزات الأساسية للإستراتيجية السياسية الشاملة لأي دولة عدوانية ذات طابع توسعي ويعد التضليل
1. خلق واقع مزيف ومغلوط ومقنع بما فيه الكفاية وذلك بهدف إيقاع الخصم في الخطأ بينما هو يفكر بشكل صحيح.
2. شكل من أشكال العدوان ونشاط تخريبي سيكولوجي وحرب الكلام والأفكار والمفاهيم وسلاح العصر السري.
يعمل عدد من الأقلام المأجور وعناصر خدمة الدعاية السرية المرتبطة بدوائر الدعاية والعلاقات العامة المعادية, على شن حملات دعائية منظمة بالتوقيت والاستهداف, وتستخدم وسائل التشويه والتشويش والتضليل بشكل واسع, ولن تستثنى أي وسيلة لتحقيق الأهداف السياسية المخابراتية, عن طريق وسائل الإعلام المتاحة المعلنة والسرية ,وسائل الاتصال الأخرى, إضافة إلى القنوات الجانبية, ونشر الخبر والإشاعة والمواد الإعلامية المفبركة المضللة إلى المتلقي, وتستخدم أساليب التضليل الإعلامي وكما يلي:-
أولا. الكذب, الخداع.
ثانيا. الإشاعة والتشويش.
ثالثا. أخفاء الحقائق والمعلومات.
رابعا. اختلاق وقائع ممسرحة.
خامسا.إغراق وسائل الأعلام بأكثر الأخبار تناقضا بحيث تفقد أي معنى عند استعمالها إذا يضيع المشاهد أو القارئ في غابة من الإشارات والعلامات والمؤشرات التي تلغي بعضها بعض بفعل الإفراط في ضخ المعلومات والأخبار وبفعل فوضى المعلومات والأحداث.
تُعَدّ الحرب النفسية والدعائية من أقدم الوسائل وأكثرها استخداماً خلال مراحل الأزمات و الصراع ، لتغطيتها مساحات شاسعة, وتستخدم فيها مختلف الوسائل, وخصوصا ما هو شائع حاليا استخدام الأسماء الوهمية في النشر عبر بريد الإلكتروني باسم مستعار لا يحمل دلالة المعلومات ,ويعتبر" الانترنيت" من ناحية القوة الكامنة , أداة فعالة لترويج الشائعات المثيرة , بالإضافة إلى الدعاية السياسية"السوداء"والرمادية"لأن الانحياز الفعلي لمصدر المعلومات يمكن إخفائه بسهولة,كما يمكن تغيير أي مواد إخبارية مرئية أو حقائق ووثائق على الشبكة لتبدو الأحداث الحقيقة عند التشويه مزورة , إضافة إلى التلفيق العدائي.
وأمام هذه المشهد لابد من استراتيجية وطنية شاملة لمواجهة ما يجري من استهداف للجهد الوطني, خصوصا انه هذا المناخ قابل للاستثمار المدمر, ومن المؤسف لا يوجد عمل عربي مضاد منظم , في ظل تيسر موارد ومؤسسات سياسية وإعلامية يعنيها هذا الشأن, ولابد من ديمومة إرادة الصراع وعدم الانزلاق الى الانهيار الإدراكي, والانجرار الى الاحتراب على وهم خصوصا من الحاشية المستفيدة ماليا,وعدم الاستسلام للرياح الصفراء التي تنخر في الجسد العراقي, وهل نقف متفرجين نشاهد تدمير حضارتنا واختزالها وطمس معالمها الوضاءة,وتشويه ديننا الإسلامي الحنيف, هل نترك الجرذان في الجحور تنخر كل شيء حي ينبض يرفض استهداف امتنا العربية الإسلامي, ومجتمعاتها التي أضحت تفقد أبنائها من جراء تعاطي وتجارة المخدرات , والفساد, والتخنث,والجوع,والبطالة,والتجسس والعمالة, والتجنيد في الجيوش الأجنبية, بينما سفاحو العصر ومرتكبي المجازر والجرائم أحرار بلا مسائلة, كلمة للتاريخ نحن العراقيين و امة العرب لابد أن نستفيق وننفض الغبار ونحي تاريخنا الحضاري.
*مدير مركز صقر للدراسات الإستراتيجية
saqarc@yahoo.comالخميس، 19 آب، 2010
[1] . "الإيباك" هي اكبر منظمة يهودية أمريكية نشأت في العقد الثالث من القرن العشرين في الولايات المتحدة, اسمها مختصر The American Israel Public Affairs Committeeالمنظمة اليهودية من اجل التعاون مع إسرائيل.
[2] . هناك دلالة تاريخية, وطنية,دينية, إشارة اجتماعية, معروفة لكل عراقي أصيل عبر نسبه وانتمائه الديني , القومي,الوطني , العشائري, عبر ما قدمه من عطاء وتضحية للعراق, ما قدم من خدمات اجتماعية وعشائرية وإنسانية للشعب, موثقة بالوقائع والحقائق رغم انزلاق الكثير خلف المال والتحول السياسي بعد الاحتلال.