ليتنا نعود صغارا

من عينين اعتادتا أن تريا أدق التفاصيل وأذنين دأبتا على التقاط أوهى الأصوات وأنامل لا تني تستحث القلم ليكتب كل ما يسترعي انتباهاتها ،،، بدأت حكايتها مع عالم القصص الخيالية والواقعية ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

كان يا ما كان 00000
اعتدلت في جلستها ،، بعد أن كانت مستلقية ، نصف جسدها على السرير ونصفها الآخر يتدلى خارج سريرها يكاد رأسها يلامس الأرض !!
هذا الوضع تتخذه تعبيرا عن ضجرها
تناهى إليها صوت أمها تحكي لأختها الصغرى ما حفظته هي عن جدتها وهي في عمر أصغر أخواتها 00
ما أن تسمع "كان يا ما كان" ،، العبارة التي تُفتتح بها عادة الحكايات القديمة حتى تتدافع أيام طفولتها تتزاحم على باب ذاكرتها لتتجسد أمام عينيها جدتها وهي تجلس على الأرض بجسدها الذي يحاكي المومياوات الفرعونية نحافة وسكينة ،، واضعة راحتيها على فخذيها 00
وهي مع أخواتها وبنات خالاتها يتناثرن أمامها كل في وضع يستفز من تجلس بقربها 00 وكثيرا ما تتوه منهن الحكاية في الدفاع عمن لها الحق في الجلوس أمام الجدة مباشرة لالتقاط أدق تعابير وخلجات وجهها وإشارات جسدها 00 وكانت هي أكثرهن حرصا على ألا تفوتها أية خلجة أو إشارة ،، فجدتها قبل أن تبدأ حكاياتها تحذرهن من عدم إعادة أي جملة أو مقطع انتهت من سرده ،، لتضمن التزامهن الهدوء وعدم مقاطعتها 00
لم تتمن أن تعود طفلة بجسدها ،، فهي فخورة بشكلها الأنثوي العشريني 00 إلا أن أكثر ما يحزنها هو مضي وانقضاء أيام لم تكن تحمل فيها هما لقادم أيامها 00
لم تعش طفولتها على أرض واقعها 00 فشهرزاد هي في حكايات جدتها ،، وبنت السلطان ،، وبنت الحطاب ،، والفارسة قاهرة اللصوص ،، والطبيبة العمياء التي تشفي ابن الملك ،،،،،، وحتى الفقيرة صديقة الطيور والحيوانات 00
أكثر حكاية عاشت على أرضها وتمرغت في بساتينها والتحفت سماءها وكبرت معها إلى سنوات مراهقتها ،، حكاية الأميرة بنت حاكم القلعة وكل فرسان قلعتها وصعاليكها وفرسان القلاع المجاورة لقلعتهم والنائية عنهم يتهافتون ويتقاتلون للفوز بنظرة قبول منها ،، وهي الغاصة خزاناتها بأفخر الثياب وأثمن الحلي والجواهر ماتعجز عن حصرهم أو ارتدائهم ،، السائحة في أبعد البلدان واكثرها جمالا ،، المتحدثة بثلاث لغات غير لغة أهل قلعتها،، لا يهفو قلبها و لا تختار من بينهم إلا الفتى الفقير صاحب أعذب صوت حين يغني وهو يحتطب بجوار قصرها 00
بعض حكايات جدتها طويلة وأحداثها كثيرة تستنزف من صبرها أربع أو خمس ليال 00 ولأنها فتاة كل حكاية ،، تعيش أحداثها وتحدد مصير كل شخوصها ،، كانت تلح وتستعجل جدتها لتنهيها في ليلة واحدة لتعلم مصيرها هي على أرض واقعها الخيالي 00
وجدتها لا ترضى القفز على أحداث حكاياتها لتفشي لها بنهاياتها00
ومنذ محاولتها الأولى في كتابة وتأليف حكايات من وحي ما سمعته من جدتها أخذت عهدا على قلمها ألا يكتب إلا قصصا قصيرة لا تُتعب أبطالها وشخوصها باللف والدوران حول الحكاية لتحدد مصيرهم 00 كانت تنهي قصصها في صفحتين أو ثلاث لتهنأ ويقر خيالها بالإمساك بزمام أمور أبطالها والاطمئنان على عدم تمردهم وتشتتهم فيصعب عليها العثور عليهم بين تلافيف الأحداث 00
وقبل توديعها عهد المراهقة بقليل ،، استطاعت برفقة خيالها وبمساعدة من قلمها أن تحجز لها مقعدا في رابطة الأديب الصغير ،، وتعثر على آذان تصغي وقلوب تهفو ومشاعر تطرب لما يدونه قلمها وينقله صوتها إلى جميع الأعضاء بمن فيهم هي ،، لتعوض مايصيبها من إحباط جراء الإهمال والاستهزاء من أهلها وبعض صديقاتها 00
عندما سمعت أمها تحكي لأختها كانت هي تستجدي خيالها في شأن قصة بدأتها منذ يومين ولا تجد نهاية ترضيها لبطلتها 00
هي ترى أن تستعيد البطلة عافيتها وتتزوج من تحب ،، وخيالها يلح عليها ألا تتمكن البطلة من استعادة وعيها إثر الحادث الذي اصيبت به هي وصديقتها فتموت وتشل الصديقة 00 ثم يتزوج حبيب البطلة صديقتها وفاء لذكرى حبيبته 00
لا تعلم كعادتها مقدار الزمن الذي استهلكته وهي تحاول التوفيق بين رأيها وما يراه خيالها في مصير فتاة قصتها ،، وإذا بسكونها يشقه صوت أمها يؤنبها 00 !!
هيا أيتها الكسولة 000 ألم يمل القلم بعد من تشبثك به ليل نهار ؟؟ !! 000 لا داعي لأذكرك أن الخادمة الجديدة لن تصل إلا بعد أسبوعين أو أكثر 00 وانه دورك اليوم لدخول المطبخ لتجهيز وجبة العشاء لوالدك 00 أم نسيت أنه قد يكون الآن في طريقه من عمله إلى البيت يكاد يفتك به التعب من أجل توفير طلبات البيت وطلبات إخوتك والكثير من الدفاتر والأوراق و الأقلام لك 00

إلهي أفرغ علي صبرا من عندك أواجه به سخط أمي الهادر ونقدها الماهر في تفكيك أواصر عزمي وتحطيم حماسي وتبديد وقتي بأعمال في المنزل لم أخلق لها 00
في الوقت الذي تحكي فيه أمي حكايات مسلية لأختي وتهدهدها لتجلب لها الأحلام الوردية أو الصفراء ،، تأمرني أن أضع من يدي أغلى ما أملك لأمسك بالسكين و المقلاة 00 أليست أختي ممن يتعب أبي ليوفر لها مايبعد عنها شبح الطلبات الغير مجابة 00 أم أن طفولتها تحميها مما تأمرني أمي بالقيام به ؟؟ !!
لو عدت صغيرة هل سترحمني أمي من أوامرها ؟ !

اخترقها صوت أمها مهددا بتمزيق مابين يديها من دفاتر إن لم تريها وجهها في الحال 00

أسرعت بإلقاء دفاترها وأقلامها تحت سريرها واستقامت لتسبق أمها قبل أن تنفذ تهديدها 00
وقبل أن تمسك بقبضة باب حجرتها ،، قفز إلى خيالها عنوان لقصة 000 اتجهت إلى مرآتها وبأحمر شفتيها و بخط عريض كتبت 000
" عدنا صغارا "